داء السكري… آخر ما توصل إليه العلم من علاجات وتجارب

0
91

يعتبر داء السكري من أكثر الأمراض انتشاراً على مستوى العالم والمسبب الرئيس للعمى والفشل الكلوي والنوبات القلبية والسكتة الدماغية، وتشير التقديرات إلى أن عدد المصابين بداء السكري يزيد على 537 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، مع ترجيح ارتفاع هذا الرقم ليصل إلى 783 مليوناً بحلول عام 2045، وهذا ما دفع منظمة الصحة العالمية إلى اعتباره وباء يجتاح المعمورة.

وعلى رغم تأثيره الكبير في سكان العالم، لا يوجد حتى الآن أي علاج جذري لهذا الداء، إذ تساعد معظم العلاجات المرضى في التحكم بالأعراض إلى حد ما وجعل حياتهم أفضل، بينما يواجهون مضاعفات صحية متعددة على المدى الطويل.

يؤثر السكري على تنظيم الأنسولين، وهو الهرمون المطلوب لامتصاص الغلوكوز في الخلايا، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم. وفي حين أن هناك بعض أوجه الشبه في الأعراض، فإن النوعين الرئيسين من داء السكري يتطوران بطرق مختلفة، فالسكري من النوع الأول هو أحد أمراض المناعة الذاتية التي تدمر خلايا “بيتا” البنكرياسية المنتجة للأنسولين. في المقابل، يعاني مرضى السكري من النوع الثاني الذين يمثلون ما نسبته 90 في المئة من حالات السكري المنتشرة، من مقاومة الأنسولين، مما يعني أن الأنسولين يصبح أقل فعالية في خفض نسبة السكر في الدم.

وتبعاً لذلك، يسعى العلماء وصناع التكنولوجيا الحيوية جاهدين إلى تطوير علاجات جديدة لداء السكري في إطار مساعيهما المستمرة للوصول إلى العلاجات الأكثر فاعلية التي تحد من الأعراض الخطرة.

أهم علاجات السكري من النوع الأول

شهد العام الماضي تطوير شركات علاجات واعدة عدة للنوع الأول من السكري، لعل أبرزها كان تطوير جامعة “رايس” الأميركية تركيبات مواد حيوية جديدة يمكن أن تساعد في خلق طريقة أكثر استدامة وطويلة الأمد وذاتية التنظيم للتعامل مع داء السكري من النوع الأول.

واكتشف باحثون من معهد “بيكر للقلب والسكري” في أستراليا طريقة لتجديد الخلايا المنتجة للأنسولين في البنكرياس، تتضمن استخدام الأدوية المعتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية في علاج السرطان لاستهداف إنزيم EZH2 في الأنسجة البشرية.

وأظهرت دراسات المعهد الأسترالي أن عقاري GSK126 وTazemetostat لهما نتائج واعدة في السماح للخلايا السلفية الأقنوية البنكرياسية بتطوير وظائف مشابهة لخلايا “بيتا”، التي عادة ما تكون غير فعالة أو مفقودة لدى الأشخاص المصابين بداء السكري من النوع الأول.

يمكن أن يقلل هذا النهج المتبع في المعهد الأسترالي من الحاجة إلى حقن الأنسولين، إذ تستطيع هذه الخلايا المتجددة استشعار مستويات الغلوكوز وضبط إنتاج الأنسولين وفقاً لذلك.

من جانبها وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أول علاج خلوي لمرضى السكري من النوع الأول عام 2023 اسمه “لانتيدرا”، يمكن استخدامه عبر ضخ خلايا “بيتا” المنتجة لهرمون الأنسولين من بنكرياس متبرعين متوفين لا يعانون داء السكري، وإعادة حقنها بعد معالجتها مخبرياً في أوردة الكبد لتتشكل بعدها خلايا قادرة على إفراز الأنسولين.

وفي أواخر عام 2022، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على عقار يمكنه تأخير ظهور داء السكري من النوع الأول، ووصفته بأنه أول علاج لتغيير مسار مرض المناعة الذاتية هذا منذ اكتشاف الأنسولين عام 1922.

العقار المسمى Teplizumab ويباع تحت الاسم التجاري Tzield مخصص للأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين ثماني سنوات وما فوق، وأظهر قدرته على تأخير ظهور الأعراض الكلاسيكية المتمثلة في التبول المفرط والعطش لأطول فترة ممكنة. فيما يقول الباحثون إن العقار هذا يؤجل متوسط ظهور المرض لمدة عامين في الأقل، ويقوم بتعديل الخلايا التائية لإطالة قدرة البنكرياس على إنتاج الأنسولين.

أهم علاجات السكري من النوع الثاني

أما بخصوص السكري من النوع الثاني، فأعطت إدارة الغذاء والدواء الأميركية موافقتها العام الماضي على عقار Bexagliflozin الذي قلل في الدراسات بشكل ملحوظ من مستوى السكر في الدم، وكان فعالاً مع المرضى المعرضين لأخطار عالية للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

كما وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على عقاري Jardiance وSynjardy، القادرين على تحسين التحكم في نسبة السكر في الدم لدى الأطفال المصابين بداء السكري من النوع الثاني بعمر 10 سنوات وما فوق.

ولم تكتف إدارة الغذاء والدواء الأميركية بذلك، فأعطت الموافقة على حقن Ozempic وأقراص Rybelsus لخفض مستويات السكر في الدم لدى البالغين المصابين بداء السكري من النوع الثاني. وأشارت الإدارة في موافقتها بأن Ozempic يقلل أيضاً خطر الإصابة بالنوبات القلبية وأمراض القلب المعروفة أو السكتة الدماغية أو الوفاة لدى البالغين المصابين بداء السكري من النوع الثاني.

تجارب طبية واعدة

بعد سرد كل هذه العلاجات التي طرحتها شركات الأدوية في الأسواق العالمية العام الماضي، لا بد لنا من الإشارة إلى أن التجارب الطبية الجارية حالياً تشير إلى إمكان حدوث ثورة في مستقبل علاج داء السكري، خصوصاً أنه من المتوقع أن يصل سوق أدوية السكري إلى 118 مليار دولار بحلول عام 2032.

فمثلاً تخطط شركة الأدوية الألمانية “إيفوتيك” للبدء هذا العام بتجارب على نهج طبي جديد، يتمحور حول إيجاد بديل لخلايا “بيتا” يعتمد على الخلايا الجذعية في التطوير ويغني عن الحاجة إلى العلاج بالأنسولين.

وتهدف شركة Imcyse البلجيكية للأدوية الحيوية في تجاربها الطبية الجارية التغلب على داء السكري من النوع الأول عن طريق قتل الخلايا المناعية التي تدمر البنكرياس على وجه التحديد. وأظهرت تجربة المرحلة الأولى عدم وجود مشكلات كبيرة تتعلق بالسلامة وبعض الفوائد السريرية. فيما استخدمت الشركة البلجيكية في تجارب المرحلة الثانية العام الماضي، جهازاً متطوراً صمم لوقف تطور السكري عبر منع جهاز المناعة في الجسم من مهاجمة خلايا “بيتا”.

وتجري الآن شركة بلجيكية أخرى وهي ActoBio Therapeutics، تجربة سريرية للمرحلتين الأولى والثانية باستخدام نهج علمي استثنائي لوقف تطور داء السكري من النوع الأول. ضمن هذا النهج، تستخدم الشركة البكتيريا المنتجة للجبن لإنتاج عقارين يحفزان الخلايا التائية التنظيمية لتوجيه الجهاز المناعي بعدم مهاجمة الخلايا المنتجة للأنسولين.

في الأثناء، تقوم بعض الشركات بتطوير علاجات لداء السكري تستهدف الميكروبيوم، وكان أبرزها ما أعلنته شركة التكنولوجيا الحيوية الفرنسية Valbiotis عام 2023، من الانتهاء بنجاح من الدراسة السريرية TOTUM 63 التي تستهدف مقدمات داء السكري والمراحل المبكرة من داء السكري من النوع الثاني.

الدراسات الأولية التي تجريها الشركة الفرنسية في معهد “التغذية والأغذية الوظيفية (INAF)” بجامعة “لافال” الكندية بالتعاون مع “معهد كيبيك للقلب والرئة”، أثبتت فعالية TOTUM 63 في تقليل الهيموغلوبين السكري، وهو علامة رئيسة لداء السكري. ويتضمن أسلوب العمل المتبع للعلاج المستقبلي تقليل الالتهاب، وتعديل هرمونات الجهاز الهضمي، وتحسين الاستجابة الأيضية بعد الوجبات.

ويبقى أن نشير إلى أن البحوث في مجال تكنولوجيا النانو سيكون لها دور كبير في علاجات السكري خلال العقد المقبل، إذ ينظر بشكل متزايد إلى المركبات النانوية المستجيبة لمستويات الغلوكوز على أنها واعدة للغاية للإفراج المتحكم فيه عن الأنسولين.