تتزايد المخاوف في السودان من تعرض الملايين من المدنيين للموت البطيء بعد الفشل المتلاحق لجهود فتح المسارات الإنسانية والتي كان آخرها تعليق المفاوضات التي جرت الأسبوع الماضي في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان بين الجيش السوداني والحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو.
ومع تطاول أمد الحرب وانغلاق سبل الحلول الرامية لفتح المسارات الإنسانية تتضاءل آمال السودانيين في الحصول على مساعدات غذائية تخفف عنهم كارثة الجوع التي تحاصر أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم نحو 42 مليون نسمة، في ظل اتساع رقعة الحرب وشمولها أكثر من 70 في المئة من مناطق البلاد.
ويعيش السودانيون أوضاعا إنسانية بالغة السوء تعقدت أكثر في ظل عدم توفر مسارات آمنة لتوصيل المساعدات في وقت تشهد فيه الأسواق شحا كبيرا في المواد الغذائية وارتفاعا في أسعار الأصناف القليلة المتوافرة بسبب التدهور المريع في قيمة صرف العملة الوطنية حيث يتم تداول الدولار الواحد بنحو 1750 جنيها مقارنة مع 600 جنيها قبل الحرب وخروج أكثر من 80 في المئة من المصانع عن الخدمة بعد الحرب التي اندلعت في منتصف أبريل 2023 وأدت لمقتل نحو 30 ألف على الأقل وتشريد أكثر من 12 مليونا من منازلهم.
وعلّق ملايين السودانيين آمالا عريضة على مفاوضات جوبا بين الجيش وحركة الحلو، لكن فشل تلك المفاوضات أثار تساؤلات كبيرة حول الجهة المسؤولة عن إفشالها، فماذا قال الطرفان؟
اتهامات متبادلة
قالت الحركة الشعبية إن وفد الجيش الذي ترأسه شمس الدين كباشي نائب القائد العام تسبب في إفشال مفاوضات جوبا، متهمة إياه بمحاولة استخدام ملف المساعدات الإنسانية لفك الحصار الخانق عن عدد من المقرات العسكرية في إقليم كردفان.
وردّ وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم، قائلا إن الحركة الشعبية شمال، أصرت على مشاركة قوات الدعم السريع في المفاوضات، الأمر الذي اعتبره سببا في انهيار المفاوضات وعدم توصل الأطراف لاتفاق حول إيصال المساعدات الإنسانية.
حل قومي
أشارت الحركة الشعبية إلى أنها سعت منذ بداية التفاوض للوصول إلى حل قومي يستفيد منه المتضررون والعالقون في مناطق الحرب في كافة أنحاء السودان.
وذكرت الحركة أن وفد الجيش لم يلتزم بطلب لجنة الوساطة من الطرفين بعدم الذهاب إلى الإعلام.
وأوضحت الحركة في بيان “بعد تعليق المفاوضات طلبت الوساطة الجنوب سودانية من الطرفين عدم التصريح لوسائل الإعلام حتى لا تتعقد الأمور ويتم تسميم الأجواء، والتزم وفد الحركة بذلك، الا أن وفد الجيش عقد مؤتمرا صحفيا وعددا من اللقاءات الرسمية وغير الرسمية عقب وصوله إلى بورتسودان وأرسل عبر هذه اللقاءات عدة رسائل سلبية مصحوبة بأكاذيب وروايات لم تحدث في جولة التفاوض”.
واتهمت الحركة حكومات السودان المتعاقبة باستخدام الغذاء كسلاح في مواجهة المدنيين، مشيرة إلى رفض الجيش السوداني تضمين إقليمي جبال النوبة والفونج ضم برنامج شريان الحياة الذي أقيم في 1989 كما رفض إيصال المساعدات الإنسانية خلال 22 جولة تفاوض استمرت من 2011 وحتى 2019.
تكوين الوفد الحكومي
انتقدت الحركة الشعبية طبيعة تكوين وفد حكومة بورتسودان، مشيرة إلى غلبة الجانب العسكري عليه.
وبيّنت الحركة أن وفد حكومة بورتسودان تكوّن من وزير الدفاع وأربعة ضباط من جهاز المخابرات العامة ومعه وفد شعبي غير مؤثر، مشيرة إلى أن المقترح الذي تقدمت به حكومة بورتسودان في الأساس هو عبارة عن “جسر جوي لإيصال ما يعتقد أنه مساعدات إلى كل من رئاسة الفرقة 14 بكادوقلي ورئاسة الفرقة 22 ببابنوسة ورئاسة الفرقة العاشرة بأبو جبيهة، أما بقية المقترح فيشمل تدابير أمنية ولجانا فنية عسكرية لإدارة القوات المشتركة التي ستقوم بحماية مطارات المدن ورئاسات الفرق المذكورة”.
ولفتت الحركة إلى أن وفد حكومة بورتسودان رفض ثلاث مقترحات قدمتها شملت “إيصال المساعدات الإنسانية بدون اتفاق وفقا لتجربة الحركة السابقة عندما قامت في الخامس من نوفمبر 2023 بتأمين 8 شاحنات إغاثة تابعة لبرنامج الغذاء العالمي، أو توقيع كل طرف منفردا مع وكالات الأمم المتحدة بإشراف وساطة دولة جنوب السودان، بعدها تقوم لجنة الوساطة بعقد اجتماع يضم الأطراف لمناقشة الجوانب الفنية، أما المقترح الثالث فنصّ على ضم كل الأطراف المتحاربة والتوقيع على إعلان وقف العدائيات، حتى لا يعرقل أي من الأطراف المتحاربة عملية إيصال المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين”.
تبرير الجيش
عبّر وزير الدفاع السوداني عن أسف الحكومة لموقف الحركة الشعبية شمال “المتعنت ونكوصها ورفضها التوقيع على وثيقة إيصال المساعدات الإنسانية إلى المواطنين المتعثرين بالحرب في المنطقتين”.
وأبدى الوزير أسفه على انهيار جولة التفاوض بين الحكومة والحركة الشعبية شمال لعدم التزام وفد الحركة بموجهات لجنة الوساطة.
وأوضح أن وفد الحركة لم يقدم أي مسودة اتفاق وجاء رده على مسودة الحكومة إنشائيا ولم يتضمن القضايا الجوهرية المتعلقة بإيصال المساعدات إلى المواطنين في الولايات المعنية.
كما أضاف أن الحركة أصرت على إقحام الدعم السريع في عملية التفاوض، متهما الحركة بـ”التماهي مع الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع”.
وشدد الوزير على أن الحركة الشعبية أصرّت على عدم توقيع أو النظر في أي وثيقة أو مقترح اتفاق يقدم من وفد الحكومة أو لجنة الوساطة لإيصال المساعدات الإنسانية للولايات المذكورة بحجة أن المساعدات الإنسانية يمكن مرورها دون أي التزام مكتوب.
وتابع موضحا أن الحركة تقدمت بمقترح يتنافى مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة الخاص باحترام سيادة الدول أشارت فيه إلى إمكانية توقيع كل طرف اتفاقا آحاديا مع الأمم المتحدة بشهادة الوساطة.
الصيغة المطلوبة
وفقا لعلي الماحي القيادي في الحركة الشعبية شمال فإن الحركة سعت طوال فترة التفاوض للوصول إلى صيغة تضمن وصول المساعدات للمتضررين والعالقين في كافة مناطق البلاد خصوصا مناطق الجزيرة ودارفور وهي الأكثر تضررا وتأثرا في الوقت الحالي.
وأكد الماحي لموقع “سكاي نيوز عربية” حرص الحركة على ألا تستخدم أي جهة من الجهات عملية المساعدات كورقة لتحقيق أغراض سياسية أو عسكرية لأن مبدأها يقوم على الحفاظ على قومية القضايا بما في ذلك القضايا الإنسانية وهي الأكثر إلحاحا في الوقت الحالي.
كما أشار الماحي إلى أن موقف الحركة يأتي انطلاقا من إدراكها بعمق الأزمة الإنسانية وخطورتها ليس في جنوب كردفان فقط بل في كافة مناطق البلاد المتأثرة بالحرب لذلك سعى مفاوضوها لعدم حصر أي اتفاق على نطاق محدد وعملت على الوصول لحل يستفيد المتضررون والمحتاجون منه في كل المناطق.
ورأى مراقبون أن وفد الجيش بقيادة الفريق شمس الدين الكباشي أخطأ في البحث عن مفاوضات جزئية.
وذكرت الكاتبة الصحفية صباح محمد الحسن أن فتح الممرات الإنسانية في كافة ولايات السودان أمر لابد من أن يتم فيه التشاور مع طرفي الصراع وليس طرفا واحدا، مشيرة في تعليق لموقع “سكاي نيوز عربية” إلى أن مثل هذا المسلك يعتبر أمرا طبيعيا في قواعد وقوانين العمل الإنساني حتى يتم الالتزام بالممرات الإنسانية من كل طرف حسب مواقع سيطرته.
وأضافت: “وفد الجيش لم يتحر الوقت المناسب فإن كان يريد أن يفتح الممرات الإنسانية فكان له من الأولى الإسراع في الاتجاه إلى منبر جدة لإجراء تفاوض شامل تعم فيه فائدة فتح الممرات لدخول المساعدات على كل الشعب السوداني الذي لا فرق فيه بين إنسان الجزيرة والنيل الأزرق والخرطوم وكردفان فكل مواطن سوداني الآن وبعد مرور عام من الحرب أصبح يستحق المساعدات”.