طبقات من القبور مكدسة على عمق تحت الأرض في مقبرة ضخمة في غزة، حيث يقضي سعدي بركة أيامه في الحفر في الأرض، لإفساح المجال لمزيد من الموتى.
ويقول “في بعض الأحيان نبني القبور فوق القبور”.
يبدأ بركة وفريقه من حفاري القبور المتطوعين في مقبرة دير البلح عملهم عند شروق الشمس، بحفر مقابر جديدة أو إعادة فتح مقابر موجودة بالفعل.
وقد تأتي الجثث في بعض الأحيان من مسافات بعيدة بالكيلومترات، من مناطق من غزة حيث دمرت المقابر وبات لا يمكن الوصول إليها.
مقبرة واحدة كبيرة
أدى قرع طبول الموت المستمر منذ أكتوبر إلى مقتل ما يقرب من 2 بالمئة من سكان غزة قبل الحرب.
وقام الجيش الإسرائيلي بحفر وقصف أكثر من 20 مقبرة، وفقا لصور الأقمار الصناعية
التي حللتها مؤسسة “بيلينغكات” الاستقصائية.
ونقلت القوات الإسرائيلية عشرات الجثث إلى إسرائيل بحثا عن الرهائن، وعندما تعاد الجثث على متن شاحنات إلى غزة، غالبا ما تكون متحللة ولا يمكن التعرف عليها، وتدفن بسرعة في مقبرة جماعية.
حنين سالم، مصورة وكاتبة من شمال غزة، فقدت أكثر من 270 من أفراد عائلتها في عمليات القصف، قالت إنه تم انتشال ما بين 15 و20 منهم، بعضهم بعدما دمرت القوات المقابر والبعض الآخر نقله الأقارب خشية أن تقوم القوات الإسرائيلية بتدمير قبورهم.
وأضافت: “لا أعرف كيف أشرح شعوري عندما أرى جثث أحبائي ملقاة على الأرض، متناثرة، قطعة من اللحم هنا وعظام هناك. بعد الحرب، إذا بقينا على قيد الحياة، سنحفر مقبرة جديدة وننثر عليها الورود والماء لأرواحهم الطيبة”.
نواف الزريعي، عامل مشرحة في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، يقف في الخطوط الأمامية لاستقبال الموتى.
ويقوم العمال بتغطية الجثث بالبلاستيك لتجنب وجود بقع دم على الأكفان البيضاء.
وقال “نمسح الدم عن وجوههم حتى يكونوا في حالة مناسبة عندما يودعهم أحباؤهم”.
مصير غامض
المصير الغامض لجثث الأقارب يطارد العائلات.
موسى جمعة، طبيب العظام الذي يعيش في الضفة الغربية، أودت الحرب بحياة 21 من أقاربه في غزة.
وقتل محمد، ابن عم جمعة، في غارة جوية إسرائيلية في وقت مبكر من الحرب بينما كان يقود سيارة إسعاف في جنوب غزة ودفن في رفح، بعيدا عن منزل العائلة في وسط غزة.
ولحقت أضرار بالمقبرة في هجوم لاحق، وقال جمعة إنه لا يوجد أي أثر لجثة محمد.
ودمرت غارة جوية في ديسمبر منزل عم جمعة، ما أسفر عن مقتل عمته وطفليها، ميرا ( 8 سنوات) وعمر( 10 سنوات).
وهرع عم جمعة، الطبيب هاني جمعة، إلى منزله للبحث وسط الأنقاض، وقبل أن يتمكن من العثور على جثة ميرا، قتلته ضربة جوية أيضا.
وفي يوليو، قتلت دبابة إسرائيلية اثنين خرين من أبناء عمومته، هما محمد وبهاء.