الكويت تسعى لتحويل مناطقها الأثرية إلى مزارات سياحية مدرة للدخل

0
5

في مركز كاظمة الثقافي بمنطقة الجهراء وقف مسؤولو المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت يستمعون بشغف لتقرير البعثة البولندية من جامعة وارسو التي أمضت خمسة أسابيع في التنقيب عن الكنوز الأثرية المدفونة في باطن الأرض، قبل أن ينتقلوا للموقع الأثري لمعاينة الاكتشافات على أرض الواقع.

أسفرت البعثة عن اكتشاف أكثر من 20 فرنا يعود عمرها إلى نحو 7700 عام، إضافة إلى نموذج مركب سفينة ومجسمات وبقايا شعير تعود إلى 7500 عام، إلى جانب أوان خزفية في موقع (بحرة1) بمنطقة الصبية شمال الكويت، الذي يعد أقدم وأكبر مكان عاش فيه البشر بشكل دائم أو شبه دائم في شبه الجزيرة العربية.

تُعد هذه البعثة واحدة من تسع بعثات أثرية تزور الكويت سنويا للتنقيب عن الآثار في مناطق مختلفة أهمها جزيرة فيلكا التي تقع في الركن الشمالي الغربي من الخليج، وتبعد نحو 20 كيلومترا من سواحل مدينة الكويت. وتأتي هذه البعثات في إطار مشروع أوسع يهدف لاكتشاف المناطق الأثرية بالكويت تمهيدا لتحويل بعضها إلى وجهات سياحية يقصدها السياح من الداخل والخارج. خطة حكومية قال محمد بن رضا الأمين العام المساعد لقطاع الاثار والمتاحف بالتكليف في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب إن هناك خطة لتحويل بعض المعالم السياحية بالكويت لا سيما في جزيرة فيلكا إلى مزارات سياحية تستقطب الكويتيين والأجانب.

ووقع المجلس في 2024 اتفاقا مع منظمة الصندوق الدولي للمعالم، لإعداد ملف خاص لجزيرة فيلكا في مسعى لإدارجها في قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) للتراث العالمي. وقال بن رضا «جزيرة فيلكا هي الوحيدة اللي فيها خمس حضارات في موقع واحد.. إذا كانت الكويت فيها نفط فإن (جزيرة) فيلكا فيها كنز من التاريخ الحضاري». وأضاف أن الكويت تعمل حاليا على تهيئة المنطقة للحركة السياحية من خلال إنشاء الطرق والمواصلات والمطاعم والمقاهي وتدريب المرشدين السياحيين وغير ذلك من المقومات الأساسية لقطاع السياحة. وأوضح أن عدد الزائرين حاليا للجزيرة بغرض السياحة لا يتجاوز العشرات أسبوعيا، إلا أن إدراجها على قائمة اليونسكو للتراث العالمي سوف يفتح آفاقا جديدة للسياحية الثقافية فيها حيث سيتم تعريف السياح بها عالميا.

وتقع معظم هذه الآثار المكتشفة، إن لم يكن جميعها، في مناطق نائية تفتقر لوسائل النقل والبنية التحتية اللازمة لاستقبال أعداد كبيرة من الزوار، ما يجعل زيارتها مقتصرة على الخبراء والباحثين. من جانبها قالت بثينة العصفور، مؤسسة شركة (بر وبحر) للرحلات البرية والبحرية إن الأمر يحتاج إلى «رؤية دولة» تقوم من خلالها المؤسسات الرسمية بوضع السياسات والإشراف على القطاع الخاص الذي يجب أن يتم الاستعانة به لتحويل هذه الرؤية إلى واقع. وأضافت أن بعض المشاريع قد لا تحتاج لأكثر من سنة أو سنتين لتطوير الإمكانات الموجودة حاليا وتوفير حد معقول من النشاط السياحي، بينما تحتاج بعض المشاريع الأخرى إلى مدى زمني أكبر. «اقتصاد إبداعي» يرى الدكتور حسن أشكناني، أستاذ علم الأنثروبولوجيا والآثار في جامعة الكويت، أن البلاد بحاجة إلى تحويل اكتشافاتها الأثرية إلى «اقتصاد إبداعي» لا يقتصر على قيمتها العلمية فقط، بل يتطور ليحقق قيمة مالية واقتصادية أيضا.

وأضاف أشكناني، وهو أيضا مستشار الآثار والمتاحف في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أن كل بعثة أثرية تجري تقييما لإمكانية تحويل الموقع الذي تعمل فيه إلى وجهة سياحية وآليات تحقيق ذلك. وأوضح أشكناني، لرويترز في موقع بحرة1 بمنطقة الصبية، أن لدى الكويت عشرات المواقع الأثرية المكتشفة والقابلة للتحويل إلى معالم سياحية في جزيرة فيلكا ومنطقة كاظمة ومنطقة الصبية، معربا عن أمله في أن تتحقق رؤية الدولة في تحويل هذه المعالم إلى مواقع سياحية قبل عام 2035. تنويع مصادر الدخل تسعى الكويت منذ عقود لتنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط الذي يكاد يشكل المصدر الوحيد لميزانية الدولة، دون تحقيق تقدم يذكر. وبلغت الإيرادات النفطية في ميزانية السنة المالية 2024-2025، 19.358 مليار دينار ( 63.4 مليار دولار) وهو ما يشكل 87.8 بالمئة من إجمالي الإيرادات البالغة 22.057 مليار، فيما سجلت الميزانية عجزا قدره 1.056 مليار دينار. ويقوم كثير من الكويتيين برحلات سياحية للخارج لا سيما في شهور الصيف حيث تشتد الحرارة، ورغم غياب إحصاءات رسمية دقيقة، قدرت صحف محلية انفاقهم على السياحة والسفر في الخارج بنحو 1.9 مليار دينار في النصف الأول من 2025 مقارنة مع ملياري دينار في الفترة ذاتها من 2024. لكن الباحث الاقتصادي محمد رمضان اعتبر أن الآثار القديمة لا يمكنها أن تشكل وحدها حافزا كبيرا للسياحة في دولة مثل الكويت، مشيرا إلى أن بناء قطاع السياحة يحتاج إلى كثير من المقومات غير الموجودة حاليا في المناطق الأثرية.

وأشار إلى أن من هذه المقومات الفنادق والمعارض والاحتفالات والفعاليات وتذاكر السفر الرخيصة وتسهيل الحصول على التأشيرات السياحية مع دور فاعل للقطاع الخاص في هذه المنظومة وغيرها. وقال «المسألة أعقد من الآثار. ليس هناك من سيأتي للكويت ليرى الآثار.. كما أن السياحة الداخلية ضعيفة»، مشيرا إلى أن السياحة البحرية أو الصحراوية ربما تكون حظوظها أكبر في الكويت. واستبعد رمضان أن تسهم سياحة الآثار بشكل ملموس في إيرادات الدولة أو تنويع اقتصادها، معتبرا أن أقصى مردود يمكن الحصول عليه منها هو توفير وظائف للمواطنين لتخفيف عبء التوظيف عن الحكومة، خاصة وأن الرواتب تشكل البند الأكبر في الميزانية العامة.